الأحد، 5 أبريل 2009

للكاتب سليمان جوده

المنع بالعين.. والحاجب!

سمعت من الأستاذة فريدة الشوباشى، أنها كانت قد اتفقت يوماً، مع الراحل الكبير رجاء النقاش، على الظهور فى برنامجها بالتليفزيون المصرى، وكان «النقاش» مقاطعاً للشاشة الصغيرة تماماً، شأنه شأن الأستاذ إبراهيم سعدة، وكانت موافقته على كسر المقاطعة فرصة لا يمكن تعويضها، وحين راحت الشوباشى تسأل عما إذا كان من الممكن استضافته قيل لها إنه بطبيعته، كمثقف كبير، أقرب إلى القناة الثقافية، ولذلك، فالأفضل أن يظهر عليها..
وكانت النتيجة أنه لا ظهر هنا، ولا هناك.. ومات الرجل فى نفس يوم رحيل النبيل مجدى مهنا، وحرم التليفزيون المصرى نفسه، ثم حرم مشاهديه، من حلقة نادرة، كان من الممكن أن تظل شيئاً وثائقياً مهماً فى مكتبته، لا لشىء إلا لأن «رجاء» كان ممنوعاً من الظهور على شاشة تليفزيون بلده، لأسباب لا يعلمها أحد!
وحين يظهر الدكتور جلال أمين على شاشة الجزيرة، لمدة ساعة كاملة، يحكى فيها عن مسيرته مع الناس، ومع الاقتصاد، ومع والده أحمد أمين، ومع أشياء أخرى كثيرة، فإن مشاهدى التليفزيون يصابون بالحزن على أن رجلاً له هذه القامة، فى مجال تخصصه، لايزال محظوراً عليه الاقتراب من ماسبيرو!.. ولابد أن الذين شاهدوه على الفضائية القطرية، تساءلوا فى قهر: ماذا لو ظهر على التليفزيون المصرى، وقال هذا الكلام نفسه؟! هل كانت الدنيا سوف «تنهد» وهل كانت المظاهرات ضد الحكومة سوف تخرج أمام المبنى، وفى الشوارع؟!
والذين تابعوا هجرة حمدى قنديل إلى التليفزيون الليبى، وانتقال برنامجه الشهير «قلم رصاص» إلى هناك، لابد أنهم أيضاً قد ناموا ليلتهم مكتئبين، فلا شىء يبرر حرمان الرجل من المجىء والعمل على شاشة تليفزيون البلد، ولا شىء أيضاً سوف يتحرك من مكانه بوصة واحدة، إذا ظهر قنديل ٢٤ ساعة على الشاشة.. لا مجرد ساعة فى كل أسبوع!
وحين ظهر السياسى الكبير منصور حسن، مع الأستاذة منى الشاذلى على قناة «دريم»، تساءل كثيرون: ماذا لو كان هذا اللقاء ذاته، مذاعاً على القناة الأولى، ولماذا يبدو منصور حسن، وهو الذى كان ذات يوم وزيراً للإعلام، ممنوعاً من دخول المبنى، وما الذى سوف يحدث فى البلد لو أنه ظهر، وتكلم، وانتقد، ونصح، وأشار، وأيد، واختلف.. وقد مات العظيمان سعيد النجار، وإبراهيم شحاتة، وفى نفس كل واحد منهما «شىء» من التليفزيون المصرى.. ويأتى أحمد زويل كل عام، ليظهر فى دريم،ولا يجرؤ على الاقتراب من ماسبيرو، ويعيش أحمد كمال أبوالمجد وأسامة الغزالى حرب فى حالة خصام مع مشاهدى تليفزيون الحكومة؟!..
ولا نريد أن نضيف «هيكل» إلى هذه القائمة التى تضم أسماء كبيرة، لا يجوز أن تكون بعيدة عن الناس، حتى ولو كنا نختلف معهم فى رؤاهم السياسية.. ولو أنك حاولت أن تصل إلى أصل هذا المنع وسببه، فلن تصل إلى شىء مطلقاً، وسوف تشعر، فى النهاية، بأن هناك «جن» غير مرئى، يدفع بهم بعيداً عن تليفزيون الدولة، وأن المنع، فى العادة، يتم بإشارة من العين.. أو الحاجب!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اتكلم بهدو علشان نفهم بعض

مقالات مميزة

كورونا يزلزل اقتصاد العالم ويمحو مليارات الدولارات من البورصات العالمية

  خفضت البنوك المركزية العربية أسعار الفائدة تماشياً مع خفض الفدرالي الأميركي لأسعار الفائدة لصفر تقريباً في قرار مفاجئ أربك الأسوا...