الأحد، 5 أبريل 2009

وكالعادة أسامة غريب .. يتألق



رجل الحمّام.. الجامعى بقلم أسامة غريب ٢/ ٤/ ٢٠٠٩

أحياناً أسأل نفسى: هل قصد الذين استولوا على البلد أن يهبطوا بمستوى التعليم إلى هذا الحد المسف؟! أم أن المسألة لم تكن مقصودة، لكنها جاءت كنتيجة فرعية للإهمال الجسيم لمصالح الناس والتركيز فقط على مصالح القراصنة؟ فى اعتقادى أن التربص بالتعليم كان مقصوداً، وأن الغرض من تخريبه تمهيداً لتدميره تماماً كان أن يتساوى فى الجهل الذين التحقوا بالمدارس والجامعات والذين لم يلتحقوا.
لكن ما الفائدة التى يمكن أن تعود على القراصنة من تخريب التعليم؟ الإجابة كما أتصورها هى كسر العزة فى النفوس وفرض الذلة والمسكنة على الناس، ذلك أن الفرد المتعلم حقاً يكون شامخاً واثقاً من نفسه تملأه الآمال العريضة ويشعر بوجود بدائل وخيارات فى هذه الحياة، ويكون فى العادة- حتى وهو فقير- قادراً على مناطحة الأقوياء والدفاع عن وجهة نظره والفوز عليهم فى أى حوار، وإفحامهم وإلزامهم جانب الدفاع وهم يحاولون تمرير الخيبة وصبغها بكلام تافه مضلل، من عينة الهيكلة والتعويم ومؤشر البورصة وثقافة السلام وقبول الآخر والاعتدال والممانعة.
وفى ظنى أن الفارق الأساسى بين المعارضين لحكم السادات والمعارضين الآن هو أنه أيام السادات كان الطلبة متعلمين والخريجون متعلمين والعمال متنورين ومتأثرين بالتعليم، وهو الأمر الذى نجح الحكام فى التغلب عليه فى الثلاثين سنة الأخيرة فأصبح الجهل الفاضح هو سمة الخريجين. وطبيعى أن الجهلاء ومحدودى التعليم هم أقل من غيرهم ثقة بالنفس وأكثر استعداداً لقبول ما لا يمكن قبوله فى الظروف العادية.
وما لا يمكن قبوله فى كل بلاد العالم هو أن تكون الوظائف المتاحة للشباب من خريجى المدارس والجامعات فى طول البلاد وعرضها هى الوظائف الرثة قليلة القيمة والتى لا تحتاج فى حقيقتها إلى أى قدر من التعليم. ومثال على هذه الوظائف وظيفة «رجل الحمّام» وهى العمل الذى يقوم به الشباب داخل المولات والسينمات والمطاعم والكافيهات والمعارض فى الحمامات الملحقة بهذه الأماكن.
تجد داخل دورة المياه شخصاً لا وظيفة له سوى أن يناولك منديل كلينكس بعد أن تغسل يديك! مع أنه بالإمكان أن يوضع ورق الحمام فى متناول الناس ليأخذوه بأنفسهم. ويلاحظ أن عامل الحمام الذى لا يحصل على أجر فى الغالب ويعمل بالمجان يقوم بتخريب المجفف الكهربائى المعلق على الحائط لأنه يراه عدواً يسلبه البقشيش الذى يشكل كل دخله.
وقد حكى لى أحد رجال الحمام فى مرارة عن صاحب الكافيتريا الدنىء الذى يقتسم معه البقشيش!. هذه واحدة من الوظائف المتاحة للخريجين الآن، بالإضافة إلى وظيفة أخرى منتشرة أيضاً وفى نفس الأماكن التى يقبل عليها الناس للتنزه وتناول الطعام..
تتلخص هذه الوظيفة فى أن يقبل عليك شاب محيياً، ويبشرك بأنه إذا كانت نمرة تليفونك المحمول تتضمن رقم زيرو فإنك قد فزت بجائزة قيمة، وبطبيعة الحال كل التليفونات بها زيرو، ثم ننتقل للخطوة التالية وهى الذهاب إلى المكتب وعرض البضاعة التى لا تخرج فى العادة عن تايم شير أو برامج حج وعمرة.
ثالثة الوظائف المتاحة للخريجين هى وظيفة فرد أمن وهى بالطبع لا تحتاج إلى أى قدرات أو مهارات، وهذه الوظيفة بالذات متاحة أكثر من غيرها لحراسة المنشآت الترفيهية والوقوف بأبواب المولات ومجمعات التسوق والمدارس والفيلات والقصور، ولا تخلو إعلانات الوظائف بالصحف يومياً من طلب موظفى سيكيوريتى حتى أصبحت تنافس فى وفرتها إعلانات طلب مندوبى مبيعات وهى الوظيفة التى يمر بها عادة كل الخريجين حتى يأذن الله بالفرج.
ولا ننسى أنه بكل محطات البنزين ينتشر عشرات من الشباب الذين تكتشف من أول نظرة أنهم يفيضون عن حاجة المكان وليس لهم عمل حقيقى، لكن صاحب المحطة الناصح يستزيد منهم لاكتساب البريستيج وتحسين الخدمة مادام فى النهاية لا يدفع لهم مليما!.
الكلام السابق كله ينطبق على الخريجين العاديين، أما الآن فلنتحدث عن المتميزين والنوابغ من خريجى الجامعات والمعاهد وهؤلاء ليسوا كغيرهم.. تجدهم فى القاهرة والإسكندرية وعواصم المحافظات يشغلون الوظائف فى محال كوستا وسيلانترو وبينوز وستاربكس وسينابون وكنتاكى وماكدونالدز وبيتزاهت وسبارو وهارديز وغيرها من سلاسل محال الطعام والشراب الأجنبية التى أصبح الحصول على وظيفة Waiter بها أمل الملايين من الشباب!.
أما الشاب الذى ينجح فى أن يجتاز حقول الألغام ويعلّم نفسه بنفسه ويتغلب على النظام التعليمى البائس ويهزم القراصنة الذين صاروا ينعمون بالسعادة بعد أن فرضوا الجهل على الشباب وجعلوهم لا يرون فى الوظائف العجيبة السابقة شيئاً عجيباً..
هذا الشاب الذى يقوم بتثقيف نفسه ويملك الجسارة للتقدم لامتحانات القبول بالخارجية أو بالتمثيل التجارى ويحلم بأن يشارك البهوات وظائفهم الوجيهة ذات الجهد المنعدم والمزايا الوفيرة، فإن الأمر ينتهى به فى الغالب إلى الانتحار وإلقاء نفسه فى النيل مثلماً فعل الشهيد المصرى عبدالحميد شتا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اتكلم بهدو علشان نفهم بعض

مقالات مميزة

كورونا يزلزل اقتصاد العالم ويمحو مليارات الدولارات من البورصات العالمية

  خفضت البنوك المركزية العربية أسعار الفائدة تماشياً مع خفض الفدرالي الأميركي لأسعار الفائدة لصفر تقريباً في قرار مفاجئ أربك الأسوا...